gulfissueslogo
باتريك كلاوسون
إيران واثقة في ظل تشديد العقوبات
پاتريك كلاوسون
28-06-2012

"ترى إيران نفسها في موقف قوي مع الغرب ومن ثم فهي تؤمن أنه ليس لديها أسباب قوية للتحلي بالصراحة في المفاوضات النووية."
مع دخول القيود المشددة التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على إيران إلى حيز التنفيذ في الثامن والعشرين من حزيران/يونيو والأول من تموز/يوليو على التوالي، يبدو قادة الجمهورية الإسلامية واثقين بشكل ملحوظ بشأن المعضلة النووية. إذ ترى طهران نفسها في موقف قوي مع الغرب ومن ثم فهي تؤمن أنه ليس لديها أسباب قوية للتحلي بالصراحة في المفاوضات. وعلى النقيض من ذلك، فهي لا تزال تجد أن المقاومة مفيدة في التعامل مع الدول الخمس دائمة العضوية +1 (أي الولايات المتحدة، بريطانيا، الصين، فرنسا، روسيا، وألمانيا). ففي 18 حزيران/يونيو، صرح المرشد الأعلى علي خامنئي قائلاً "النصر غير ممكن بدون .... المخاطرة. ونحن نقف [وراء قضيتنا]... ويجب ....على أعدائنا أن يعلموا أن العناد والتكبر والاعتداد بالذات والتوقعات غير المعقولة لن توصلهم إلى أي نتيجة ضد الأمة الإيرانية". إن التحدي الماثل أمام الولايات المتحدة أوروبا يكمن في كيفية إقناع الزعماء الإيرانيين بأنهم بالغوا في نقاط قوتهم ونقاط ضعف الغرب.
إيران ترى أن الغرب منشغل
يرى الزعماء الإيرانيون أن أوروبا مشغولة تماماً بالأزمة المالية المستمرة التي أثبتت فشل نموذجها الإقتصادي. كما يرون أن الولايات المتحدة تركز على الحملة الانتخابية وأنهكتها حربان طويلتان لم يتم حسمهما في المنطقة. وفي نظر طهران أن كلا الطرفين - لا سيما الولايات المتحدة - يرغب في التوصل إلى اتفاق مع إيران أكثر مما يرغب الإيرانيون أنفسهم.
كما لا يرى القادة الإيرانيون أي احتمال لاتخاذ إجراء عسكري عما قريب، وبالتأكيد ليس قبل الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر. وحتى بعد تشرين الثاني/نوفمبر، فإنهم يرون أن قادة الغرب سيقلقهم التأثير المحتمل للحرب على اقتصادياتهم الهشة لدرجة تجعلهم يبتعدون عن المواجهة. من المؤكد أن طهران لا تشعر بالعجلة في الرد على مطالب الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا - فهي ترى أن الغرب هو أكثر قلقاً بشأن احتمالات شن إجراء عسكري إسرائيلي من قلقه بشأن التقدم النووي الإيراني.
إيران ترى أن الانتفاضات العربية جيدة بالنسبة لها وسيئة للغرب
من وجهة نظر إيران، أن الأحداث التي وقعت في العام الماضي تظهر أن الإسلام السياسي آخذ في الصعود، سواء في مصر أو ليبيا أو اليمن أو تونس. فقادة إيران يشعرون ببالغ الرضا بما يشاهدونه من رفض للقادة العلمانيين. وفيما يتعلق بالأزمة السورية، يبدو أنهم يؤمنون بأن السيناريو الأكثر احتمالاً هو بقاء الأسد لكنه سيصبح أكثر عزلة، مما سيجعله أكثر اعتماداً على إيران. وفي أسوأ الحالات، لن يستفيد الغرب ولا إسرائيل من سقوط الأسد، حيث إن سوريا ستشهد اضطرابات وسوف يصبح الإسلاميون المعادون للغرب فاعلاً أكثر أهمية.
إيران ترى أن وضعها الإقتصادي قد تحسن كثيراً
على مدار السنوات القليلة الماضية، ساعدت أسعار النفط المرتفعة على تدفق الأموال إلى إيران. وحتى مع التراجع الأخير في أسعار النفط، فإن أسعار اليوم مرتفعة "فقط" أربع مرات عما كانت عليه في عام 2002. وفي آب/أغسطس 2011، قبل التصعيد الأخير في العقوبات، توقع "صندوق النقد الدولي" بأن تصل العائدات من صادرات النفط الإيرانية للفترة 2012-2013، 104 مليار دولار، أو أربعة أضعاف ونصف ما كانت عليه في الفترة 2002-2003، والتي بلغت 23 مليار دولار. وحتى في حالة تراجع أحجام الصادرات بمعدل النصف وحصول إيران فقط على 50 دولار مقابل البرميل، فإن أرباحها المعدلة للتضخم ستكون لا تزال أعلى عما كانت عليه منذ عقد مضى. كما أن طهران لديها احتياطيات مالية ضخمة؛ حتى لو كان 70 في المائة من هذه الأموال غير متاح، كما يشير البعض، إلا أن إيران لا يزال بوسعها السحب من احتياطيات العملات الأجنبية التي تتجاوز 30 مليون دولار.
ولا ينظر المتشددون الإيرانيون إلى الوضع الاقتصادي للبلاد على أنه يشكل أولوية قصوى. ومن ثم فإنه منذ عام 2007 كان معدل النمو السنوي في إيران أعلى من نظيره في الولايات المتحدة وأوروبا، مما عزز تصور النظام بأن أداء اقتصاده أفضل من أداء اقتصاد الغرب. وقد شعر القادة الإيرانيون بالرضا عن إزالة الدعم الحكومي لسلع مختلفة في الوقت الذي كانت دول "مجلس التعاون الخليجي" المجاورة الغنية بالنفط تنفق أموالاً طائلة على الرفاهية من أجل إحباط أي اضطرابات. ورغم أن التضخم ظهر بوضوح في أعقاب أسعار الطاقة التي تضاعفت أربع مرات، إلا أنهم يرون أن التأثير على العائلات تم تعويضه من خلال زيادة المدفوعات النقدية الشهرية من جانب النظام. وباختصار، يرى القادة الإيرانيون أن وضعهم الاقتصادي جيد نسبياً، خصوصاً بالمقارنة مع الأزمة الطاحنة التي يعاني منها الغرب.
إيران لا ترى بأن العقوبات تشكل تهديداً للنظام
إن آية الله خامنئي وقادة "الحرس الثوري الإسلامي" هم على ثقة كبيرة أنه مهما كانت التبعات الاقتصادية للعقوبات، إلا أن تداعياتها السياسية ستكون ضئيلة. وهم لا يرون أن الاستياء الشعبي النابع من ارتفاع التضخم أو البطالة يشكل تهديداً على النظام كما يرون أن احتمالية حدوث اضطرابات سياسية كبيرة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.
والواقع أن غياب الأيديولوجية والتنظيم والقيادة جعل القوى الديمقراطية الإيرانية عاطلة حتى الآن. فلقد وُضِع القائدان الرمزيان لـ "الحركة الخضراء" المعارضة من عام 2009 - مير حسين موسوي ومهدي كروبي - رهن الإقامة الجبرية لمدة عامين، ولم يتمكن أنصارهم من اتخاذ إجراء سياسي قد يضغط على النظام لإطلاق سراحهم.
إيران ترى بعض الفوائد من عقد صفقة مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا
خلال الأسابيع الأخيرة، قال القادة الإيرانيون إن الغرب ليس جاداً بشأن المفاوضات النووية - وهو نفس الاتهام الذي وجهه الغرب ضدهم على مدار سنوات. ووفق ما ذكره الرئيس السابق أكبر هاشمي رافسنجاني، الذي يشغل منصب رئيس "مجلس تشخيص مصلحة النظام"، وهو شخصية واقعية معروفة، فإن محادثات موسكو في الأسبوع الماضي قد "أظهرت أن الغرب ليس راغباً في التوصل إلى اتفاق وأنه ليس أميناً. فهم يريدون الاعتماد على التخويف وحده لتلبية أهدافهم".
ومن وجهة نظر إيران فإن الغرب سينظر إلى أي تسوية نووية على أنها مجرد خطوة أولى مطالباً بمزيد من الشفافيات وأعمال التفتيش قبل رفع العقوبات بشكل كامل. وحتى الحل الكامل للقضية النووية من شأنه أن يؤدي فقط بالغرب إلى التركيز على مشاكل أخرى مع إيران وكما أفاد وزير الاستخبارات حيدر مصلحي في 20 حزيران/يونيو، "تحاول الولايات المتحدة والغرب تضييق الخناق على إيران، وذلك من خلال إثارة قضية حقوق الإنسان والعقوبات والإرهاب ... والسبب الحقيقي وراء هذه المواجهة التي يقومون بها لا يكمن في أي من هذه القضايا ولكنه يكمن بدلاً من ذلك في الإسلام وخطاب الثورة الإسلامية ".
وعلاوة على ذلك، يعتقد القادة الإيرانيون أن إبرام صفقة لن يوقف الهجمات السيبرانية الجارية بشأن برنامجهم النووي ولا اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين. ومن وجهة نظرهم، فإن إسرائيل والغرب عازمين على إلحاق أضرار بالغة بالبرنامج النووي الإيراني، وذلك سواء تم التوصل إلى اتفاق مع طهران أم لا.
التداعيات
تنطوي رؤية طهران حول نقاط قوتها ونقاط ضعف الغرب على بعض الحقيقة، ولكن إلى حد ضئيل فقط. فمثلاً، على الرغم من أن زعماء الاتحاد الأوروبي يشعرون بالقلق في المقام الأول إزاء الأزمة المالية، إلا أن هذه الحقيقة لم تؤد بأي شخصية هامة في أوروبا إلى اقتراح إلغاء أو حتى تأجيل الحظر المفروض على النفط الإيراني. وهذا الأمر ينطبق حتى على اليونان، العميل الأوروبي الرئيسي لاستيراد النفط الإيراني والبلد الأكثر تضرراً من المتاعب المالية. وعلى الرغم من أن الوضع الاقتصادي الحالي في إيران أفضل مما كان عليه قبل عقد من الزمن، إلا أن الشعب الإيراني لا يزال غير راض إلى حد كبير بهذا الوضع، حيث يؤمن بأن أحواله يمكن أن تكون أفضل بكثير لولا العزلة الدولية المفروضة عليهم بسبب المتشددين.
والتحدي الذي يواجه الدول الخمس دائمة العضوية وألمانيا هو تغيير تصورات القادة الإيرانيين - وهي مهمة صعبة نظراً لجهلهم الملحوظ بالعالم الخارجي وعدم انخراطهم فيه، هذا بالإضافة إلى الثقة المفرطة بالنفس والحواجز الأيديولوجية التي تؤدي بهم إلى اعتقاد أن إيران هي القوة الصاعدة وأن الغرب في تراجع. وفي نهاية المطاف، قد يحتاج تغيير هذه العقلية إلى صدمة كبيرة من نوع ما، سواء كان ذلك بفرض عقوبات صارمة بشكل ملحوظ أو فرض عزلة سياسية أكثر اكتمالاً أو القيام بعمل عسكري. فلطالما أيدت واشنطن فرض عقوبات على إيران كوسيلة رئيسية لدفع الإيرانيين إلى تقديم تنازلات، كما أن الإعلان عن الجولة الأخيرة من التدابير المالية بدا بالتأكيد أمراً أساسياً في إجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات. بيد أن هذه التدابير لم تقنع طهران في نهاية المطاف لتقديم حتى الحد الأدنى من التنازلات التي من شأنها أن تكون مقبولة من قبل الدول الخمس دائمة العضوية وألمانيا. ولذا قد يكون توقع فرض عقوبات جديدة لتحفيز إيران نحو انتهاج موقف أفضل أمراً غير واقعي - لذا، ستعي واشنطن وحلفاؤها ضرورة التخطيط لفرض عقوبات إضافية.
وأخيراً، على الرغم من أن قادة إيران ليسوا ديمقراطيون، إلا أنهم يتأثرون بالرأي العام. لذا فإن فرص التواصل معهم سوف تتحسن لو تمكن الغرب من التواصل مع الإيرانيين العاديين وتعريفهم بالحقائق التي تمر بها بلادهم. فهذه الحاجة تؤكد على أهمية اختراق الستار الإلكتروني للنظام، كما أكد الرئيس أوباما في خطابه إلى الشعب الإيراني في 20 آذار/مارس.
 
 پاتريك كلاوسون هو مدير الأبحاث في معهد واشنطن. مهدي خلجي هو زميل أقدم في المعهد.

copy_r