gulfissueslogo
السعوديون وفلسطين.. الرهان على الحصان الخاسر
حسام توفيق ـ السعودية

 ربما كانت علاقة الدولة السعودية مع القضية الفلسطينية من اكثر المسائل جدلا وتزييفا، فمن ناحية يروج اقطاب الحكم وعبر التاريخ انهم انصار القضية الفلسطينية، في المقابل هناك مقولات تضع المتابع امام صورة الواقع، تحديدا الواقع الفلسطيني الذي يشكو يوميا من الانكسار العربي، وفي مقدمته الانكسار السعودي.
 
وقد يعتقد البعض ان مقولة  زيف الدعم السعودي للقضية الفلسطينية هي اكذوبة روجتها المعارضة طوال تاريخها، بغرض التشويه ومنطلقها هو العداء لكل ما هو سعودي، بينما الأمر ليس كذلك، فلا المعارضة  زايدت في ذلك، ولا تحليلاتها انطلقت من حالة العداء للحكم، وإنما  تعاملت مع الواقع المعيش، وحللت معطياته، وحاولت ان تصل الى الحقيقة، ونشرها الى الآخرين.
 
وحتى نصل الى حقيقة الدعم السعودي للقضية الفلسطينية، يجدر بنا ان نستعرض بعض النقاط التاريخية، اي تاريخ النظام في المملكة مع القضية الفلسطينية منذ اليوم الاول لمجي المستوطنين بموجب وعد بلفور المشؤوم ومجيئ اليهود الى ارض فلسطين المقدسة.. ونوجز ذلك في نقاط عدة:
 
أولا: في الفترات الأولى لنشوء السعودية في دولتها الثالثة كان الملك عبدالعزيز مشغولا بتاسيس الدولة، وضم ما تبقى من اقاليم في الجزيرة العربية  الى مملكته، ولم يكن يعنيه الحديث عن فلسطين ولا عن الهجرة اليها، فضلا عن انه كان مكبلا باتفاقيات مع الحكومة البريطانية  والتي كانت تحضر  عليه السفر او اللقاء مع اي كان دون اذن من الحكومة البريطانية، بالتالي لم يصدر منه اي عمل حقيقي، لأن  العمل السياسي ممنوع عليه، وليس له اي ارادة حرة للتدخل في الشأن الخارجي، وذلك لأنه يتعهد بموجب تلك الاتفاقيات بالاصاله عن نفسه وعن ورثته، بأن يتحاشى الدخول في مراسلة او وفاق مع اية امة اجنبية او دولة، وعلاوة على ذلك  بأن يبلغ حالا الى معتمدي السياسة البريطانية.. بالتالي فليس له اي ارادة حرة للتدخل في اي قضية في فلسطين او غيرها.. ولسنا في وارد تفصيل تلك الاتفاقيات فهي موثقة في كافة الكتب التي رصدت تاريخ ما قبل توحيد الجزيرة العربية.
 
وقد أثبتت الوثائق التاريخية أن ابن سعود أعطى موافقته التامة والمطلقة على تسليم فلسطين الى اليهود، واذا لم يكن كذلك فهو لم يسجل اي اعتراض ــ ولو شفهي ـ على ذلك الاحتلال، فضلا عن ان يصدر منه اي موقف سياسي او عسكري تجاه ذلك. رغم ان اكثر من 50 الف مقاتل تحت إمرته وكلهم مستعدون للقتال ضد بريطانيا وضد الاحتلال، كما أنه لم يقدم اي دعم للانتفاضات الفلسطينية وأبرزها انتفاضة المجاهد عزالدين القسام عام 1925 فضلا عن انه لم يسجل اي اعتراض على ما قام به المستعمرون البريطانيون من عمليات قمع تجاه الثوار الفلسطينين، وهذا ما يؤكد زيف تلك المقولة التي يكررها كتبة وأجراء آل سعود وهم يؤرخوا احداث تلك الفترة من ان قضية فلسطين كانت جزءا من اهتمامات ابن سعود.
 
ثانيا: في فترات تطور الوضع في الاراضي الفلسطينية وتحديدا عام 1936 حيث تفاقمت الاوضاع في فلسطين، بسبب زيادة الهجرات اليهودية، بدعم من بريطانيا ابتدأ ابن سعود بالتدخل في القضية الفلسطنية، تمثلت في الدعوة باسم ملوك العرب الى اهالي فلسطين بوقف الاضرابات حقنا للدماء، وبعث ولديه سعودا وفيصلا مع مستشاره جون فيلبي الى فلسطين من اجل التهدئة، و الاعتماد على نوايا الحكومة البريطانية، ولم يكن ذلك النداء الذي وجهه ابن سعود سوى تخدير للثورة، والتأكيد على أن الاعتراض لا يحظى بموافقة عربية رسمية، كما انه لم يتطرق لما تفعله بريطانيا من احتلال وسفك دماء فضلا عن فتح الباب لهجرة اليهود بتسهيلات ومساعدات بريطانية. ثم استتبعه قرار التقسيم الذي لم يجد اي معارضة من اي حاكم عربي، بمن فيهم ابن سعود، بل لم يكن من  هذا الأخير اي دعم يذكر سوى الدعوة الى التفاهم مع الحكومة البريطانية، وتم لها ذلك واجهضت حركات الرفض وكانت النهاية تأسيس دولة اسرائيل عام 1939 واستمرت الامور حتى العام 1948 بعد ان انهى البريطانيون انتدابهم واتفقوا على ان تستقبل السعودية الاف المهجرين الفلسطينيين كنوع من الدعم لاسرائيل ليحل محلهم الاف المهجرين من اليهود.
 
وكانت الاتفاقات التي تمت حينها ان يكون الوجود الفلسطيني في السعودية بعيدا عن السياسة وعن الاعلام ضد اسرائيل، لذلك فالوجود الفلسطيني في السعودية غير فاعل ضد اسرائيل كما هو في سوريا ولبنان والاردن.. على العموم كل هذه الحقائق مفصلة في الكتب والأبحاث والدراسات المتخصصة التي تناولت تاريخ الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، نكتفي بالقول ان السعودية في السنوات الاولى للاحتلال الاسرائيلي لم تكن مع الحق الفلسطيني ضد الباطل الاسرائيلي، بل ثبت ان هناك اتصالات مباشرة بين الطرفين وفي مرحلة مبكرة من الصراع.
 
ثالثا: بعد الحرب العالمية الثانية، وتضاؤل قوة بريطانيا، وبروز قوة امريكا على الساحة الدولية، هناك حدث مفصلي يكرره السعوديون كل عام وهو لقاء الملك عبدالعزيز مع الرئيس الامريكي روزفلت ويتم تصوير هذا اللقاء وكأنه الفتح المبين، وان ابن سعود تحدث عن قضية فلسطين، في حين ان كل المصادر التي تحدثت عن ذلك اللقاء تؤكد ان اللقاء لم يتطرق الى موضوع فلسطين من الاصل، باستثناء موضوع هجرة اليهود، وانما كان الرئيس الامريكي جاء لإقامة قواعد عسكرية في منطقة الخليج لا اكثر ولا اقل، ولم يكن الرئيس الامريكي بالضعف الذي يملي عليه ابن سعود رايا، ولم يكن هذا الاخير في وضع يؤهله لأن يملي على رئيس امريكي اي شيء.
 
الخلاصة ان العهد السعودي الاول لم يشهد اي موقف سعودي داعم للقضية الفلسطينية، واذا كان هناك موقف فلا تأثير له على الارض، بل ان الوثائق تؤكد سلبية الموقف  السعودي.
 
رابعا: وبعد وفاة الملك عبدالعزيز ومجيء اولاده الى الحكم، جرت على الامة عدة حروب ابرزها العدوان الثلاثي 1956 على مصر  ثم حرب 1967 وحرب 1973 ثم حرب 1981 على لبنان .. خلال هذه الحروب كانت اسرائيل تريد ان تضع يدها على الارض، فكان لها ذلك.. ولم يجاوز الموقف السعودي طوال هذه الفترة الا البحث عن الحلول الاستسلامية، ورفض استخدام اي سلاح بيد الامة ضد اسرائيل، منها سلاح النفط الذي كان فاعلا في المعركة، فقد رفض السعوديون استخدام سلاح النفط بعد نكسة 1967 خاصة بعد ان تأكد لديهم ان الامة العربية قد انهزمت وانكسر الرئيس المصري المنافس لهم جمال عبدالناصر.
 
وفي هذا المجال هناك حقيقة ينبغي للأجيال الجديدة فهمها وهي ان العرب في حرب اكتوبر 1973 لم ينتصروا بفعل الموقف السعودي لوقف تصدير النفط، وانما بتكاتف الجيوش العربية وهي الجيش السوري والجيش المصري والدعم القادم من العراق وغيرها. وما مسألة وقف  تصدير النفط الا مسألة جرت بعد ان تأكد للسعوديين الانتصار العربي فحاولوا ان يصنعوا لأنفسهم شيئا من المجد غير الموجود من الاصل، بدليل ان وقف التصدير لبضعة ايام أعقبه تعويض الامريكان بملايين البراميل المجانية، او بسعر منخفض اذ ساهمت سياسة وزير النفط الاسبق احمد زكي يماني في خفض الاسعار الى اقل من عشرة دولارات بعد ان تخطى سعر النفط الاربعين دولارا مطلع الثمانينات.. فقد ظهرت  التقارير الصحفية فيما بعد تقول ان السعوديين كانوا يصدرون كافة احتياجات امريكا من النفط بشكل سري، ثم تم تعويضهم بشكل علني من خلال البترول الرخيص، وقيام السعودية بدور المنتج المرن.
 
النتيجة من هذه المواقف ان السعودية ساعدت اسرائيل في امتلاك الارض، واضعفت الموقف العربي، ولم تقدم اي دعم يعزز الموقف العربي، بل ان الاسلحة السعودية في نكسة 1967 وصلت الاردن بعد ان انهت الطائرات مهمتها في احتلال الاراضي العربية.
 
خامسا: في الوقت الحاضر، بعد ان تأكد الاسرائيليون ان جيوش الدول العربية ليست قادرة على الدخول في معركة عسكرية، ولا يستطيعون تحرير اراضيهم، فهم اليوم يبحثون عن شرعية تقرر أن الارض المحتلة اسرائيلية، ولا حق للعرب فيها، والسعوديون حققوا لهم ذلك من خلال المشروعات التي تطرح بين فترة واخرى، فمشروع فهد لاتفاق كامب ديفيد اخذ الصيغة العربية في قمة فاس، ومشروع الملك عبدالله اخذ صيغة المبادرة العربية في بيروت، وهي شبيهة لمشروع الملك عبدالعزيز في اجهاض الانتفاضات الفلسطينية التي اخذت صبغة عربية شارك فيها الملوك والحكام العرب.
 
وتؤكد تفاصيل المشروعات الاستسلامية العربية على ضمان المتطلبات والشروط الاسرائيلية اكثر مما تضمن الحقوق الفلسطينية والعربية، ومع هذا نجد اسرائيل لا تقبل بها، ايمانا منها بأن ما  يقدمه العرب ليس كافيا لتحقيق شرعية الاحتلال الاسرائيلي.. واللافت للنظر ان كل المشاريع العربية (السعودية الاصل) لا تظهر الا في وقت يمكن للعرب ان يحققوا شيئا في المعركة، فمشروع فهد الذي نص على ان من حق جميع الدول العيش بسلام، ويعني بذلك اسرائيل، قدم في وقت تنامت خلاله حالة الحماس في الامة العربية بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران، وبعد فشل عملية الغزو الاسرائيلي في لبنان،  وكأن المبادرة هدية للاسرائيليين جراء ضعفهم وانهزامهم. وحينما اندلعت انتفاضة الشعب الفلسطيني عام 1987 ظهرت لنا مقترحات متعددة مثل المؤتمر الدولي للسلام.. الشعب الفلسطيني ينهض ويثور في الداخل، ويحقق انجازات على الارض، وقد ساهمت تلك الانتفاضة في خفض الهجرة الى اسرائيل، واوجدت حالة من الهجرة المعاكسة، في الأثناء نجد تنبثق دعوات المؤتمر الدولي للسلام من خلال خط الاعتدال العربي يقيادة السعودية نفسها..
 
سادسا: لو لاحظنا الموقف السعودي من اسرائيل في الوقت الحاضر فيمكننا ان نوجزه في نقاط مختصرة:
 
ــ السعودية ضد اي عمل مقاوم لاسرائيل في اي مكان، فقد حدث الطلاق مع حركة حماس لأنها قاومت اسرائيل، وهي ضد حزب الله لأنه قاوم اسرائيل في لبنان وحقق انجازا لم يحققه العرب طوال قرن من الزمان.
 
ــ السعودية تتبنى خط الاعتدال العربي، وهو تعبير مؤدب عن خط الانهزام العربي، مقابل خط التشدد العربي وهو تعبير يجافي الحقيقة ويقصد به الدول التي ترفض الاستسلام أمام إرهاب اسرائيل والتنازل عن حقوق الأمة.
 
ــ السعودية تقف في جبهة واحدة ضد مصادر الدعم للمقاومة العربية في ايران وسوريا، دون مبرر مقنع، وتقف بذلك مع امريكا واسرائيل في عدائهما لهاتين الدولتين.
 
الخلاصة ان السعودية لا تملك مشروعا مناهضا لاسرائيل، ولا تملك الشجاعة  الكافية كي تدخل في مغامرة السلام  مع اسرائيل، لكنها تقف ضد كل من يقاوم اسرائيل، بل تعتقل اي مواطن سعودي يرفع صوته ضد اجراءات القمع الاسرائيلية.
 

copy_r