

ما من نظام عربي بمأمن من رياح التغيير. هي اللحظة التاريخية التي حتمت
إشعال النار في الجسد العربي، الذي كان حتى قبل السابع من كانون الأول ـ ديسمبر
موصوماً بالوهن والخمول.
هذا ليس بتحليل لمحللين يجلسون خلف مكاتبهم المرفهة، بل هو استنتاج وحتمية بات
يعرفها جميع المواطنين العرب في أي قطر كانوا. غبي وقارئ غير مدرك لمسار
التاريخ الحاكم الذي يظن أن لفيروس الحرية لقاح مضاد يتمثل بزيادة أجور من هنا،
وتلميع قوانين منتهية الصلاحية من هناك. من السعودية قالها مواطن رغم فتوى
'التظاهر حرام في الدين الإسلامي'، ورغم إغراق الشوارع برجال الأمن: كل الأنظمة
لازم تعرف كش ملك. جاء ذلك في فيلم حمل عنوان 'الشعب يريد' أعدته الصحافية في
تلفزيون بي بي سي عربي شيماء خليل، وتمّ بثه على مدى نصف ساعة في برنامج 'ما لا
يقال'. ففي 11 آذار/مارس الماضي كانت دعوة ليوم غضب في السعودية، التي وصلتها
خليل قبل أسبوع من الموعد المضروب. جالت في أرجاء كثيرة وتمكنت من تصوير فيلم
غاية في الاحتراف والموضوعية، وغاية في الأهمية لما تضمنه من معلومات وردت على
لسان المواطنين، رغم كل الحصار المعنوي والمادي المفروض عليهم. كاميرا بي بي سي
تنقلت بين مشارب متنوعة من المواطنين في السعودية غلب عليهم الرجال. إلى
ديوانية ذكورية دخلت شيماء لتنقل موقف مجموعة تقول بأن الملك مصاب بأرق عنوانه
'الإسكان في السعودية'، أعانه الله. ولتقول كذلك بأن الملك 'ينام وبابه مفتوح
لتلقي شكاوى المواطنين'، هذا حرام فربما لفحه الهواء. مباشرة ومن دون تفكير
تقول هذه المجموعة من الرجال رداً على سؤال: هل ستهب رياح التغيير على
السعودية؟ والجواب: نشكر الله على حكام يخافون الله... والإسلام ينص على طاعة
ولي الأمر.
محطة أخرى تقول ما لا يقال مع واحد من الداعين لتأسيس حزب الأمة الإسلامي، وهو
الوحيد الذي بقي خارج السجن وينتمي لعائلة القحطاني. هذا الرجل عبّر صراحة
بالدعوة لتأسيس ملكية دستورية تحدد صلاحيات الحاكم، وتنص في الوقت نفسه على
حقوق المحكومين. واجهته شيماء خليل بتهمة النظام السعودي 'لكم أجندة خارجية'،
رد بأنها تهمة جاهزة لدى كل الأنظمة الشمولية. وفي سياسة ما يسمى الأبواب
المفتوحة، فهو وصفها 'بعقلية العصور الوسطى، لكن المطلوب أن ينال المواطن حقه
ورأسه مرفوع'. ومما قاله القحطاني بأن ما حدث في تونس ومصر قادم إلى السعودية
لا محالة، إنما في ظرفه الصحيح والمناسب.
إلى محطة تالية في جدة مع مواطن يستنتج رداً على سؤال: كل الأمور متوفرة للشعب
لماذا يثور؟ مباشرة تنتقل شيماء إلى حي السبيل في جنوب جدة لتقول وهي بالكاد
تستطيع التنقل مع مرافقتها في أزقة وبين منازل صفيح: لم أتوقع هذا الفقر في
دولة غنية كالسعودية! وتسأل: هل يمكن أن تنطلق الثورة في حي كهذا؟
من ثم كان الانتقال إلى القطيف التي شهدت الكثير من المظاهرات والكثير من
الاعتقالات. من هناك تتحدث النسوة ويطالبن بالإفراج عن المعتقلين السياسيين،
والإفراج عن السجناء المنسيين.
هذا كان قبل 11 اذار/مارس، وفي هذا التاريخ كانت الشرطة في الشوارع، وحدها تشكل
تظاهرة مرقطة. اخترق ذلك اللون الموحد المواطن خالد الذي جاء إلى أمام باب
ديوان المظالم ليقود تظاهرة ذاتية في يوم الغضب السعودي وليصرح لكاميرا بي بي
سي: نحتاج للحرية، للديمقراطية، لماذا كل هذه الشرطة هنا؟ الحكومة لا تملكنا،
مررت من هنا مرتين وفي الثالثة قالوا لي سنضعك في السجن. أنا 'أبغي' أروح
للسجن. الشعب يريد دخول السجون. خفت طويلاً، الآن أريد أن أحكي في دولة ملكية،
الإعلام 'مو' حر، الأبواب غير مفتوحة، عندي طفل توحدي والحكومة لا تساعدني.
قال خالد بعض ما عنده لكن منذ ذلك الظهور أمام الشرطة ركب سيارته ورحل. وبعدها
بساعات صار هاتفه الجوال خارج الخدمة ولا يزال. تقول شيماء خليل في أستوديو (ما
لا يقال) في لندن: مصير خالد مجهول.
هكذا كان ظهور خالد في يوم 11 مارس يوم الغضب السعودي نقطة الارتكاز التي قلبت
الموازين في هذا الفيلم الذي حمل عنوان 'الشعب يريد'. قال خالد كلمته ومشى في
المنطقة الشرقية التي وصفتها شيماء 'وجود أمني مكثف جداً، والإعلام ملاحق'.
لقد حققت شيماء خليل والفريق المرافق عملاً مهماً في السعودية، رفعت جزءاً
يسيراً من الستائر الحديدية المفروضة على المواطنين. ليتأكد من أن كل حاكم ظالم
مهدد بالزوال مهما طال الزمن.