gulfissueslogo
الإصلاح السياسي مقدمة أساسية
أحمد شهاب

  في 3 يوليو الموافق 22 ربيع الآخر الفائت شهدت الكويت سجالا سياسيا حادا على أثر طلب طرح الثقة بوزير المالية د. يوسف الإبراهيم ، الذي أعتبره طارحوا الثقة ضعيفا ولا يرقى لإدارة وزارة هامة مثل وزارة المالية ، وكاد  تيار طرح الثقة أن يصل إلى غايته لولا إمتناع ثلاثة من النواب في اللحظات الأخيرة استجابة لمساعي السلطة التي كثفت جهودها للخروج من المأزق الذي وضعت فيه ، وهو مأزق إعتبرته الحكومة تحديا مباشرا يهدد كيانها ، وأعلنت منذ البداية على لسان نائب رئيس مجلس وزرائها بأنها راحلة مع الإبراهيم في إشارة واضحة لتضامنها الكامل مع الوزير المستجوب ، وفي هذا المقال نحاول أن نسلط الضوء على حاجة مجتمعاتنا الخليجية إلى البدء بإصلاحات سياسية واسعة تنتشلها من أي إنهيار محتمل في تجربتها السياسية والديمقراطية وهو التحذير الذي  أشار إليه عدد من المخضرمين في الفترة الأخيرة .
    ويبدأ الإستفهام بالتساؤل المنطقي عن الإقتصاد في الكويت وهل هو لوحده الذي يحتاج إلى الإصلاح أم أن الإصلاح يجب أن يكون شاملا ووافيا ؟ وهل " البنود السرية "(1) والخاصة التي تحدثت عنها مذكرة الإستجواب يمكن أن تطالها عملية الإصلاح ، أم هي خارجة عن حدود ونطاق صلاحية الوزير المعني ؟ بمعنى أن المطلوب من الوزير أن يأمر بالصرف وليس له أن يسأل عن موارد الصرف ؟
    إن ما يمنح إستجواب وزير المالية الكويتي قيمته الفعلية هو تعلقه بالفساد الإقتصادي ، وبأن ثمة سوءً في التخطيط وفي إدارة مقدرات البلد . إن شعور الإنسان العادي بأن ثمة ما يجري في الخفاء ، وأن عليه الإنتظار أياما معدودة ليجد نفسه ملقيا في الشارع دون وظيفة ودون مصدر واضح وثابت للدخل ، وبأن أسرته الصغيرة سوف تتشتت في أي لحظة ، وأنه ربما يضطر اليوم أو غدا للإنضمام لآلاف المعوزين الذين دخلوا زنزانة المديونين لسد الحاجة وللحفاظ على ما تبقى من ماء وجه ، هذا الشعور هو الذي يحرك الإنسان العادي للتفاعل مع الإستجواب وبنوده المختلفة ، وقد لا يكون السيد وزير المالية هو المعني بالأمر بصفة مباشرة ، لكن الفساد يتوجب أن يواجه بصورة حاسمة وعلنية ، لا أقل حتى تعود ثقة الإنسان الكويتي بمستقبله .
 
    دائما ما نحاول في بلادنا العربية عموما أن ندخل بوابة الإصلاح بصورة جزئية ، فمرة نعول على الإصلاح التربوي وحده طريقا للإصلاح ، وأخرى نراهن على الإقتصاد ، ومرة على السياسة ، و عادة ما تمنى جميع محاولاتنا وخططنا الإصلاحية بالفشل ، دون أن يضطرنا ذلك للتوقف لحظات ودراسة أسباب الإخفاق بصورة شاملة وعميقة . بما دعى بعض الحاذقين للتساؤل إن كنا حقا في البلاد العربية نروم الإصلاح والتغيير ، أم أنها شعارات لإستهلاك المواطن في مشاغل وهموم جديدة ؟
 
    لا اعتقد أن طريق الإصلاح غامض ، أو غير متيسر ، لكن المؤكد أن الرغبة في الخروج من دائرة الفساد غير متوفرة لدى المعنيين في صناعة القرار والمسؤولين ، أو قل أن هناك قطاعات ترى من صالحها أن تظل الأمور على ما هي عليه ..  لأنها تكسب أكثر . ولأن الإصلاح في أي بلد سيكون ضحاياه رؤوس كبار ولا يمكن أن يدفع هؤلاء ثمن أخطائهم  ، بينما ضحايا الفساد هم ضعفاء الناس ومستقبل الوطن ، والأخير تعودنا أن نراهن عليه .
 
    مشكلة الفساد في عمقه أنه يشوِّه مشروعات التنمية ، ويؤدّي بصورة مباشرة إلى انتهاك قيم العدالة الإجتماعية ، وينتقص من حريات الناس السياسية والإجتماعية ، إذ هو يشوِّه نزاهة المجتمع ، ويساهم في قلب المفاهيم الأخلاقية ، ويجعل منطق القوة لا الحق هو الحاكم . فالفساد لا يكتفي بتشويه عمليات السوق ، ولا يتوقف عند ضياع ملايين أو مليارات الدولارات في مشاريع خائبة ، بل يسلب الناس المنافع التي يفترض أن تصل إليهم ، كما يحطم جميع أحلام الشعوب في رسم مستقبل أفضل.
 
    وفي دول أخرى تنبهوا إلى هذه الحقيقة وبعيدا عن أي مصلحة خاصة ، إجتهدوا لوضع قوانين وبرامج لحماية المجتمع من مخاطر الفساد ، إيمانا منهم  بأنه من الممكن محاربة الفساد بشكل دائم ، إذا ما قررت الجهات المعنية أن تقوم بذلك سواء من القطاع الحكومي أو القطاع الخاص ، بمشاركة من الجهات الرسمية والأهلية .
 
    ففي عام 1995 إنطلقت منظمة الشفافية الدولية ومقرها برلين لتساهم بما أمكن في الحد من أوجه الفساد ، وإحياء ما أسموه " بجزر النزاهة " وتركّز المنظمة في عملها على بناء نظم تحارب الفساد ، كما تلعب المنظمة دورًا هامًا في زيادة الوعي العام بمخاطر الفساد .
 
    وتعتبر " منظمة الشفافية الدولية " أن الحركة ضدَّ الفساد هي حركة عالمية تتجاوز النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية للدول وتعني بالترويج لمبادئ هامة وأساسية مثل : المساءلة والشفافية على المستوى المحلي والدولي ، الإنتصار لفكرة المشاركة ، التنوع  ، عدم التحزّب ، واللامركزية ، وإدراك أن مخاطر الفساد تتعدّى حدود الحالات الفردية ؛ فهناك مسئولية مشتركة وعامة لمحاربة الفساد .
 
    ويقوم مركز أبحاث المنظمة بإعداد تقارير سنوية عن درجات النزاهة لدى الحكومات، ومؤشرات الفساد الإداري والمالي ومتابعة ردود الحكومات وتصرفاتها تجاه مشروعات القوانين التي تقدمها المنظمة لمواجهة الفساد في تلك الدول . و تقول أدبيات المنظمة أن بناء جزر النزاهة تتكون من خلال تشكيل " دوائر النزاهة " في كل جمعية أو شركة أو مؤسسة ، وان على الأعضاء النزيهين أن يدعموا بعضهم بعضا ، كما أن عليهم أن يبذروا بذرة النزاهة في الهيكل الإداري وبين الأعضاء ، كما تحرص المنظمة على ضرورة تطوير ردود الفعل المستاءة من الفساد المتفشي بالدولة إذ تدعو المواطنين في تلك الدول إلى عدم الإكتفاء بالشكوى والتذمر ، والإنتقال إلى الفعل الإيجابي عبر إثارة الحوار بين الشرائح المختلفة في المجتمع ، وعبر كتابة الرسائل إلى الصحف ووسائل الإعلام ، وتضمين الرسائل إقتراحات مفترضة لتحسين الوضع القائم .
 
    على أن هذه الأدوار المفترضة في مكافحة الفساد لا يمكن أن تتحرك عجلتها على ساحة ملغمة ، تستنكف فعل الحوار الصريح والموضوعي في المشكلات المتراكمة ، وتحيل أغلب مشاكلها إلى أسباب وهمية ، وتصورها بأنها جذر المشكلة ، بل نعتقد بأن الإيمان بحق الناس في الحصول على المعلومة الصادقة ، تأتي على سلم الأوليات ، ويتفرع منه الحديث عن حقهم في قراءة هذه المعلومة ، وحق المشاركة في تحديد العلاج المناسب للمشكلات القائمة .
 
   ويجزم المتابعون لأوضاع دول الخليج العربي بأن طريق الإصلاح لا يزال طويلا وأن الخلل في هذا الطريق متشعب تبدأ أحد محاوره من الخلل السياسي ، فالإصلاح السياسي يظل المقدمة الأساسية التي لو ولجناها بعمق لإستطعنا تمهيد الساحة لقوى أخرى فاعلة قد تجد مساحة أوسع للحركة والمساهمة في إنقاذ بلادها على كافة الصعد . وهو ما يبرر ويشرع لحق التعبير الحر عن الرأي وحق المحاسبة وهي حقوق لاتزال بعض دولنا تجادل في أصالتها لكافة المواطنين .
 
----
 
 [1]  تحدثت مذكرة الإستجواب التي تقدم بها النائب مبارك الدويلة ومسلم البراك عن أموال تصرف من البنك المركزي إلى جهات غير معلومة ، يشك في أنها تستخدم لضرب بعض القوى والتيارات السياسية ، وهو ما أشار إليه النائب أحمد السعدون الرئيس السابق لمجلس الأمة في أكثر من مناسبة بأن هناك صندوقاً لدعم مرشحي الحكومة ضد مرشحي أصحاب المواقف .
 
8-07-2002
 

copy_r