gulfissueslogo
الحلقة الاولى
جماعات الإسلام السياسي في الخليج من المثالية الى الواقعية
مركز قضايا الخليج للدراسات الإستراتيجية ـ قسم الابحاث

12-11-2010-

رابط الحلقة الثانية

قلّة من الاعمال الكاديمية التي كثّفت إهتماماً بحثياً على الاسلام السياسي في منطقة الخليج. وبمعزل عن طيف من المقالات المنشورة حول واحدة أو أكثر من القوى السياسية في الخليج، فإن عملين بحثيين هامين قدّما تحليلاً عميقاً نسبياً: الأول: الدراسة المستفيضة بعنوان (الحركات الدينية في الخليج العربي) للكاتب البحريني باقر سلمان النجّار في أواخر 2007. أضاء النجار بصورة رئيسية على تجربة الحركات الإسلامية في البحرين، والكويت، وبدرجة أقل الإمارات العربية المتّحدة. الثاني: سلسلة من الدراسات البحثية التي أعدّها الكاتب الكويتي فلاح المديريس حول الحركات الشيعية، والسلفية والإخوان في الخليج2.
يمكن في السياق نفسه، ذكر أعمال أخرى حول تجارب محدّدة مثل كتاب (الأحزاب السياسية في الكويت) طبع في العام 1999 لمؤلفه سامي الخالدي، ويناقش فيه تجارب ثلاث مجموعات دينية: الشيعة، الإخوان، السلفيين.
 

ملاحظات عامة


 
من أجل الوصول إلى فهم دقيق لظاهرة الإسلام السياسي في الخليج، يلزم الإقتراب من العوامل، والديناميات، والخطابات ذات الصلة بتطوّر الإسلام السياسي في الخليج عبر العقود الثلاثة الماضية.


وبصورة عامة، فإن الإسلام السياسي في الخليج برز كرد فعل على عدد من مظاهر الفشل في منطقة الشرق الأوسط:
الأول: فشل ما يعرف بـ (الدولة الوطنية) في العالم العربي، بمعنى أن هذا النموذج أخفق في تحقيق الوعود المأمولة: الإزدهار الإقتصادي، والتقدّم الصناعي والعلمي، والتنمية السياسية والاجتماعية، حكم القانون، والديمقراطية. بل على العكس، سقطت الدولة في حكم الأقلية، الديكتاتورية، والفساد.


الثاني: فشل القومية العربية: فقد مثّلت الأيديولوجية القومية بديلاً مزعوماً عن الهوية والأيديولوجية ذات العلاقة بالدولة القطرية. ونتيجة ذلك، فإن هزيمة حرب 1967 كشفت عن أن إخفاق القومية العربية في تجاوز المكوّن الديني، الذي ثبت غيابه في المعركة مع العدو الاسرائيلي، كان سبباً أساسياً في وقوع النكبة. على الضد، فإن إعادة تسييس الإسلام كان يعني تعويضاً نفسياً، وهوية متجدّدة، وأداة تعبوية، وتحقيق الذات للعرب والمسلمين عموماً.


الثالث: فشل العلماء التقليديين والنخبة العلمانية المتغرّبة: فقد أصيب كثير من الإسلاميين الجدد بخيبة أمل إزاء سلوك المثقفين العلمانيين والعلماء التقليديين بسبب مواقفهم المهادنة إزاء التهديد الثقافي القادم من الخارج والطغيان السياسي في الداخل. وكانت النظرة العامة أن هاتين الفئتين قد جرى احتواؤهما داخل الدولة القطرية الفاسدة. بل هناك من حمّل هاتين الفئتين مسؤولية المساهمة في إضفاء مشروعية وتبرير فشل الدولة القطرية.
ورابعاً: فشل نموذج الحياة ونظام القيم في الغرب، والذي أفضى إلى الى ردود فعل جماعية إزاء التحديّات والتهديدات المتخيّلة التي يفرضها النموذج العلماني الغربي. وبحسب بسّام طيبي، فإن الإسلام السياسي هو، في جوهره، ثورة ضد النظام الذي صمّمم كيما يكون متوافقاً مع المسارات الغربية3.
 

تطوّر الإسلام السياسي


 
على غرار العديد من الحركات الاسلامية في العالم العربي، اختارت الجماعات الاسلامية في الخليج، في المرحلة المبكره، تعزيز القيم الدينية البحته؛ وتشجيع المؤمنين على الالتزام بالتعاليم الدينية، والنأي عن الأعمال المنافيه للآداب.


فمن غير الممكن، والحال كذلك، العثور على مكوّن سياسي في برامج الجماعات الإسلامية السنية والشيعية على السواء، ويعود ذلك بصورة رئيسية الى افتقارها الى رؤية سياسية متكاملة، وكذلك إلى قصور هياكلها التنظيمية، الضرورية للقيام بأعمال سياسية محددة. وباستثناء حالات نادرة، فحتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، فإن الحركات الإسلامية في الخليج نأت عن النشاطات السياسية المباشرة. على أية حال، فإن الأدبيات الخاصة للحركات الدينية في الخليج تختزن طموحات ذات طابع سياسي، مثل إعادة إحياء (الأمة الإسلامية)، سواء عبر النهج الثوري (حركة الطلائع الرساليين)، أو التدرّج/المرحلية (الإخوان المسلمين، حزب الدعوة). ومن الناحية العملية، فإن الاسلاميين في الخليج انغمسوا في النشاط السياسي عقب إنتصار الثورة الإسلامية في إيران العام 1979 على أمل إقامة دولة إسلامية.
حتى نهاية السبعينيات، لعب الإسلاميون في مصر والعراق دوراً نافذاً سياسياً وفكرياً وتنظيمياً ترك تأثيراته المباشرة على الجماعات الإسلامية في منطقة الخليج. فقد ساعد هؤلاء في صوغ الخطاب الديني والرؤية الكونية لهذه الجماعات. كما زّودوا الأخيرة بالأدوات، والتقنيات، والخطط التي تساعد على تحقيق الأهداف الدينية ـ الاجتماعية.


ومنذ العام 1980 وصاعداً، برزت إيران كمكوّن جوهري في الإسلام السياسي في المنطقة، وبدت كوارث فعلي للدور العراقي، خصوصاً مع صعود الخطاب الثوري، ولا سيما مع هجرة المعارضين العراقيين الى إيران في بداية الجمهورية الإسلامية الناشئة.
وكان نجاح الثورة الإسلامية في ايران، ومن ثم إنشاء أول دولة شيعية في التاريخ المعاصر سنة 1979، العامل الرئيسي في تبلوّر الإسلام السياسي وسط شيعة الخليج وأماكن أخرى في المنطقة، وعلى وجه الخصوص في العراق، ولبنان.


وكرد فعل، استعمل السعوديون كل ما بحوزتهم من مصادر قوة لكبح تقدّم الخطاب الثوري الإسلامي القادم من إيران، والذي نظروا إليه باعتباره مصدر تهديد لدولتهم. وعليه، عكفت القيادة السعودية على تقوية حليفها الوهابي، الذي أعاد تنشيط الخطاب الطائفي في سبيل عزل الخطاب الثوري الإسلامي باعتباره منتجاً شيعياً، وثانياً تحصين الساحة الداخلية. وبعد ذلك، أطلقت الحكومة السعودية النزعات الوهابية المتطرفة، التي انتشرت في منطقة الخليج بغرض وقف ما أطلق عليه (تصدير الثورة).


تجدر الإشارة الى جانب جدلي جرى تظهيره مجدداً في السنوات الخمس الماضية، وهو دور العامل الخارجي (إقليمياً كان أم دولياً) في شؤون الخليجيين. فقد إتّهم الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودي، جماعة الإخوان المسلمين في مصر بأنها المسؤولة عن تشجيع التطرّف في المنطقة4. في المقابل، إتهم الرئيس المصري حسني مبارك الشيعة في الخليج بأن ولاءهم لإيران وليس لأوطانهم5.
في السياق العريض، فإن هذا الموضوع يستدعي الانتقادات الحادّة ضد قادة الإخوان في مصر، كرد فعل على الموقف الموارب إزاء غزو الكويت في أغسطس 1990. ونتيجة لذلك، قرّر إخوان الكويت فصل إنفسهم بصورة كاملة عن جماعة الإخوان الأم في مصر.
أشعلت الحالة هذه نقاشاً جديّاً بين جماعات الإسلام السياسي في الخليج فيما يرتبط بأدوار القيادات غير الخليجية في صنع القرارات، ورسم الخطط، وكذلك تحديد نوع العلاقة بين الجماعات هذه والحكومات الخليجية بصورة إفرادية أو جماعية.
ضمن هذا الإطار، تسلّط قضية الإسلام السياسي في الخليج الضوء على معادلة المركز ـ والأطراف. فحتى العام 1990، كان لمصر تأثير حاسم على الإسلام السياسي السني، فيما كان للعراق دور مماثل على الإسلام السياسي الشيعي. وفيما بعد، ورثت إيران ـ الثورة الدور العراقي وأصبحت النجم الهادي لقطاع كبير من الجماعات السياسية الشيعية في الخليج، فيما تحوّلت السعودية الى لاعب فاعل وحاسم عبر جماعاتها السلفية وكذلك تنظيم (القاعدة)، الذي سعت السعودية كيما تجعله وارثاً للتمثيل السني الحركي في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين. وفي واقع الأمر، جرى تعويم تراث الإخوان من خلال تدجيج الساحة العربية والإسلامية بالصورة، واللهجة، والصوت المجلجل لشبكة القاعدة حول العالم منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر.


وفي متابعة لتسلسل الأحداث، يمكننا أن نلحظ منذ مطلع التسعينيات، أن جماعات الإسلام السياسي في منطقة الخليج بلغت مرحلة الإعتدال السياسي. فقد بدأت جماعات الإسلام السياسي في الخليج في صوغ أجندات إصلاحية على أمل الضغط على الأنظمة الحاكمة من أجل فتح مجال المشاركة السياسية، وإدخال تشريعات جديدة ذات صلة بحقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، وفي نهاية المطاف الإنتقال الى دولة القانون.


مع بدء الألفية الثالثة، دخل الإسلام السياسي في الخليج مرحلة جديدة وهي مرحلة المشاركة. وباستثناء الجماعة السلفية المسلّحة في السعودية، فإن جماعات الإسلام السياسي تبنَّت مبدأ المشاركة السياسية، بوصفه خياراً واقعياً، ومن شأنه تمهيد السبيل لتحالفات جديدة تستوعب جماعات دينية وعلمانية على السواء لجهة الدفع بالأنظمة لتبني برامج إصلاحية حقيقية.
 

البيئة الحاضة للإسلام السياسي


 
منذ الحقبه الاستعماريه، وخصوصاً مرحلة الاستعمار البريطاني، والاحزاب السياسية محظوره في الخليج. وكما هو حال المنظمات العلمانية واليساريه في الكويت والبحرين، فقد أخفت الحركة الاسلامية في الخليج هويتها السياسية والتنظيمية، وبالتالي عملت في إطار ما يمكن تسميته مؤسسات شبه سياسية (parapolitical)، مثل النوادي الاجتماعية والثقافيه والجمعيات الخيريه غير الربحية. وخلافا لمقاربة النجار، فإن هذه المجموعات لم تلجأ الى تكتيكات انتقالية في سبيل إخفاء أهدافها السياسية، فمثل هذا التحليل بمثابة إسقاط متأخر، يقوم على فرضية أن العديد من الأحزاب السياسية تحتفظ بأجندات خفيّة. وبالنسبة لحزب الدعوة، فحتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، لم يحن أوان المرحلة السياسية، كونها المرحلة الثالثة من استراتيجية التغيير، في حين كانت حركة الطلاع الرساليين قد انخرطت بصورة شبه كاملة تقريباً في صوغ خطاب إسلامي، في ظل ارتجافات الثورة الإسلامية  العام 1978. وبالنسبة للجماعات الاسلامية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، فإن أدبياتها، ونشاطاتها وكذلك هياكلها لا توحي بأن هذه الجماعات تبنّت غايات سياسية. بدلا من ذلك ، فإنها نقلت رسالة دينية بحتة، وإن كانت هذه الجماعة على بيّنة من الفكرة المثالية (الامة الاسلامية)، التي استولت على الذاكرة الجماعية والمخيال الديني للجماعات الإسلامية عموماً.


ومع ذلك ، يمكن للمرء ان يجادل بأن أنشطه هذه المجموعات توحي ، في أحسن الاحوال ، بأن الأمة الاسلامية، يمكن أن تتحقق من خلال إعادة أسلمة المجتمع، أي الضغط من أسفل الى اعلى. الأساس المنطقي وراء هذا يفصح عنه الموقف العقدي من المجتمعات الاسلامية. وبتأثير من المدرسة الفكرية لسيد قطب، فإن أدبيات ما يقرب من جميع حركات الاسلام السياسي في كل من السنة والشيعة (حزب الدعوة الإسلامية، حركة الطلائع الرساليين) ناهيك عن السلفيين (ولديهم مرجعية مستقلة وتراث تكفيري ممتلىء) تصوّر المجتمعات الإسلامية بأنها غارقة في (الجاهلية)، بالمعنى الكلاسيكي الإسلامي6... هذا التصوير يستبطن دعوة إلى العمل على العودة بالمجتمعات الى الإسلام، باعتباره ديناً، وهوية، ونظرة كونية، ونظام حياة..


وسوف نركّز هنا على تجربة الاسلام السياسي في ثلاث دول خليجية: الكويت، البحرين، السعودية. أما بالنسبة لقطر، وعمان والإمارات العربية  المتحدة، فإن الاسلام السياسي يبدو هامشياً، بالرغم من وجود أدلة متناثرة في قطر والإمارات على أدوار شبه سياسية لجمعيات الإصلاح الإجتماعي المرتبطه بالاخوان. ومع ذلك، لا دلائل قوية تشير الى هياكل تنظيمية للجمعية في هاتين الدولتين، وربما يرجع ذلك الى عدم وجود هامش سياسي لمثل هذه الانشطه. مهما يكن، ينبغي الإشارة الى أن أعضاء قياديين في جماعة الاخوان، وحزب الدعوة، وحركة الطلائع الرساليين لجأوا في أواخر الستينيات الى الإمارات وعمان إلى جانب الكويت والبحرين.

ـ الإنبعاث الإسلامي: استراتيجية من أسفل إلى أعلى


 
الانبعاث الإسلامي في الخليج كان، بمعنى ما، صدى لظاهرة الإحياء الديني في العالم الإسلامي في القرن السابق. فتحت قيادة الاخوة المسلمين في مصر بدأ الانبعاث الإسلامي (بما يشمل التشديد على الهوية الدينية والقيم في الحياة الخاصة والعامة) 7 .
في الاربعينات من القرن الماضي ، بذلت قيادة الإخوان جهوداً واعية لتجنيد الأفراد في منطقة الخليج، وتشجيعهم على رسم الإطار التنظيمي من أجل إعادة تشكيل واصلاح المجتمعات الخليجيه. وجود الاخوان في الخليج يعود الى الاربعينات، كما دشّنت سلسلة من جمعيات الإصلاح الاجتماعي في البحرين والكويت وقطر ودولة الامارات العربية المتحدة.


وفي مواجهة عوائق عملية ، كان أداء الإخوان في البحرين يفتقر الى بنية متماسكة وقوية ويرجع ذلك أساساً الى عوامل رئيسية منها كون السنة في البحرين يمثلون 30 في المئة من مجموع السكان، وهيمنه القوى اليساريه العلمانية، وأخيراً، وليس آخراً، ضيق هامش الحرية في البحرين. ومع ذلك، فان بدء الإسلام السياسي في البحرين يتّصل إتصالاً وثيقاً ببرامج التحديث، وخصوصاً التعليم. إن أول مجموعة إسلامية سياسية في البحرين مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين كانت عن طريق الطلاب البحريينين في الجامعات المصرية.
ففي فترة الأربعينيات، نجحت جماعة الإخوان المسلمين في مصر بتجنيد عناصر من أرجاء مختلفة من العالم الإسلامي، وكان من بينهم طلاّب بحارنة من الطائفة السنية.


فقد احتمع الشيخ عبد الرحمن علي الجودر بالشيخ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، في القاهرة سنة 1946. وقد تأثّر الجودر بفكر الشيخ البنا، وبشخصيته الكاريزمية ونهجه. وتحت تأثير المدرسة الفكرية للإخوان، نقل الجودر رسالة الإخوان وسط الشباب السني البحريني. وقد وهبته حماسته، ومقامه العائلي، وكفاءته التعليمية مكانة متميّزة وسط الطائفةالسنيّة في البحرين، وأماكن أخرى في العالم الإسلامي8. وقد سعى لحل الخلافات بين المجاهدين الأفغان في الثمانينات من القرن الماضي.


وكان الجودر عضواً في رابطة العالم الاسلامي في مكة؛ وساهم في تأسيس اللجنة الخيرية الإسلامية الدولية في الكويت. كما أنه مؤسس جمعية الإصلاح الإجتماعي والمكتبة الثقافية في البحرين9.


وقد لعب المدرّسون المصريون المنتمون لجماعة الإخوان في البحرين دوراً لافتاً في نشر فكر الإخوان.
ومثل أي مكان آخر في الخليج، فإن جماعة الإخوان في البحرين ركّزت على بناء المساجد، والمدارس الدينية، والمكتبات والنوادي لنشر الوعي وتجنيد الشباب.


وفي عام 1948، أسست جماعة الإخوان المسلمين (نادي الإصلاح الخليفي) لتنظيم نشاطات إجتماعية وثقافية. وقد يلمح إسباغ إسم العائلة المالكة في البحرين على الجمعية الى ميل قادة الإخوان لطمأنة الطبقة الحاكمة وكسب تأييدها، حيث أن عضواً في العائلة الحاكمة الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة قد تم تجنيده من قبل الإخوان.


وقد ضمّ النادي، ومقرّه في مدينة المحرّق، عناصر قبلية سنيّة، ومن بينهم، الجودر وفايز. وفي أوائل السبعينيات، أصبح إسم النادي (نادي الإصلاح)، وفي أوائل الثمانينات تم استبداله بـ (جمعية الإصلاح) 10.


واجهت الجماعة تحدّيات داخلية وخارجية ويرجع ذلك أساساً إلى القضايا التي ناصرتها خلال العقود الخمسة الماضية. في الأربعينات، حظي الإخوان في البحرين بشعبية واسعة بسبب اعتناقهم الدعوة لتحرير فلسطين. على العكس من ذلك، بدأ كسوفها في الخمسينات، حين عزلت نفسها عن التيار الشعبي العام في البحرين، والذي كان يميل الى التغيير السياسي. في ايلول/سبتمبر 1953، حاصرت الاخوان في البحرين بقيادة عضو في العائلة الحاكمة تهمة الضلوع في الاعتداء على الشيعة خلال موسم عاشوراء ما أدى إلى أعمال عنف طائفية.
وفي رد فعل، دشّنت مجموعة من الناشطين الشيعة والسنة حركة إصلاحية للتأكيد على وحدة وتماسك المجتمع البحريني. ونظّمت المجموعة تجمّعات أفضت الى تأسيس (لجنة تنفيذية عليا) في أكتوبر 1954، مؤلّفة من أربعة سنّة وأربعة شيعة، وكان من بينهم علماء شيعة. وقد اضطلعت اللجنة بدور سياسي، وطالبت بإقرار مجلس تشريعي، ونقابات عمالية وتشريعات مدنية عادلة.


وكما يبدو، فإن إخوان البحرين عارضوا عمل اللجنة. وبحسب عضو في اللجنة التنفيذية للاخوان في البلدان العربية، عبد الله أبو عزة: (حركة الإخوان إتّهمت اللجنة بكونها خاضعة وكيما تصبح سلّماً لأهداف الشيعة على أمل السيطرة على مقدّرات البلاد) 11.
في أعقاب قمع إنتفاضة شعبية في البحرين في كانون الاول/ديسمبر 1956 من قبل القوات البريطانية، ومن ثم اعتقال وإبعاد قادة اللجنة، فرض الحكم البريطاني حالة طوارئ. وتمَّ إنشاء قسم خاص لمواجهة المعارضة، مما أدى الى تشتت النشطاء السياسيين، الذي إما جرى ترحيلهم خارج البحرين أو أجبروا على البحث عن ملجأ لهم في بلد ما،  في حين تم حظر الأندية والصحف.


في مثل هذه الظروف القمعيه، واصل الإخوان الأنشطه الاجتماعية والثقافيه، ولكن بعيداً عن الأضواء. فقد جرى التركيز على التعليم الديني، مبقياً الجماعة في منأى عن السياسة حتى حصول البحرين على استقلالها في في آب/اغسطس 1971.


اما بالنسبة للكويت، فإن تأسيس (جميعة الإرشاد الإسلامي) سنة 1952، كان إيذاناً بإرساء وجود الاخوان في الكويت. مهما يكن، فقد تمَّ إلغاء الجمعية في العام 1959، وهو قرار ترك تأثيره السبي على كل الجماعات. وبعد حصولها على استقلالها، والإعلان عن الدستور، أسس الإخوان المسلمون في الكويت سنة 1963 جمعية بإسم (جمعية الإصلاح الإجتماعي)، بالتعاون مع عدد من الشخصيات المحافظة.
وبحسب أدبيات الجمعية، فإن الأهداف الرئيسية، والتي تسعى إلى تحقيقها على أساس من القرآن والسنة هي: نشر الإٌسلام، والحفاظ على الأخلاق والفضائل الدينية. وقد ركّزت الجمعية على الأنشطه الخيريه داخل الكويت وخارجها، وكذلك توجيه الشباب إلى الإمتثال لتعاليم الإسلام ، وحمايه المجتمع من العيوب الاخلاقية12.


وركّزت الجماعة على الطبقة الوسطى، واحتّل التجّار مواقع قيادية في الحركة. وتجنبت الأخيرة أي سلوك استفزازي حيال الدولة ، ومهد ذلك الطريق لعلاقة ودّية مع أعضاء كبار في الطبقة الحاكمة الكويتية. 


وبسبب العديد من العوامل، ومن بينها هيمنه الإتجاه القومي العربي، فإن إخوان الكويت أخفقوا في الفوز بمقاعد في البرلمان التأسيسي، وكذلك البرلمانات المتعاقبه في الأعوام 1967، 1971، 1975. ومع تعديل النظام الانتخابي، نجح الإخوان في الكويت في الفوز بمقعد في البرلمان، نتيجة لصعود المد الاسلامي بعد الثورة الايرانيه وانحسار جزئي في المعارضة الوطنية.


في هذا المنعطف، قد يكون من المفيد إلقاء الضوء سريعاً على تجربة حزب التحرير. ورغم كل المحاولات المستمرة، لم يفلح الحزب في جذب إهتمام الكويتيين وغيرهم من شعوب الخليج. فشل حزب التحرير في استقطاب أنصار له من بين الكويتيين يمكن أن يعزى الى الطبيعه الراديكالية للحزب. فالأخير ينكر مشروعية كل الأنظمة القائمة، ولذلك فانه يدعو الى اقتلاعها جميعاً، كونها غير شرعية، بهدف إنشاء دولة الخلافة. وعلاوة على ذلك، فإنه كان يفتقر إلى قائد كاريزمي/تاريخي للتنافس مع غيره من القيادات الدينية والوطنية. قبل كل شيء، لا يزال حزب التحرير في طور المنظمة السريّة، إذ يتفادى الإنخراط في نشاطات المجتمع بصورة علنية.
 

الجماعة السلفية

ظهرت الجماعة السلفيه وسط المهاجرين العرب في الكويت، مثل الشيخ عبد الله السبت، والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق (من اصل فلسطيني ويحمل الجنسيه المصرية) الذين جاؤوا من السعودية للمساعدة في نشر السلفية في الكويت. ووفقاً للشيخ عبد الله السبت، كان الدافع الرئيسي لقيامنا هو رد فعل على المجموعات السائدة مثل لإخوان المسلمين وجماعة التبليغ، و(التي لم تستطع ان تفرّق بين المعتقدات وفشلت في نشر الإسلام ) 13. وتجدر الاشارة إلى أن أعضاء الجماعة السلفيه كانوا ينتمون الى (جمعية الإصلاح الاجتماعي)، والتي كانت مظله لكل الناشطين السنّة في الكويت.


الجماعة السلفيه تعتبر فرعاً للحركة الوهابيه، ظهرت في الستينات من القرن الماضي، وتكاثرت خلايا الجماعة في مسجدي  عبد الجليل وأحمد بن حنبل في الفيحاء ومسجد العلبان في كيفان. 


وكان أول تمظهر للسلفية في الكويت قد برز في كانون الاول/ديسمبر 1981، بعنوان (جمعية إحياء التراث) 14. ويقول خالد العيسى، مؤسس بارز للجمعية، (الدعوة السلفية تأمل، بصورة رئسية، في العودة الى كتاب الله وأحاديث الرسول، وإتّباع السلف الصالح. ولذلك، فإنها ليست حركة سياسية، لأن السياسة لا يمكن إلا أن تخدم القضية الدينية).


رسالة الحركة السلفية موجّهة نحو بعدين رئيسيين:


ـ نشر تعاليم الإسلام وتأسيس جميعات خيرية غير ربحية، وبنوك وشركات.
- ممارسة السياسة داخل الحدود المرسومة من قبل الحكومة.
بيد أن الهدف المحوري للجماعة السلفيه هو إقامة دولة تطبيق الشريعة الإسلامية، على غرار السعودية، باللجوء الى الطرق الدستورية. ترفض الجماعة العنف وتميل الى تغيير تدريجي في المجتمع، عن طريق تشجيع الفضائل وإصلاح الفرد والمجتمع. على هذا النحو، فانها وظّفت التسهيلات المتاحة، مثل (اللجنة العامة للشباب والرياضة)، للأنشطه الدينية وتجنيد الأفراد.
ويبدو ان الحركة كانت ناشطة فى المناطق التى تسيطر عليها جماعة الاخوان، ونجحت في اجتذاب عدد من الكوادر الذين ينتمون الى الطبقة الوسطى، بمن فيهم التجار. 


ومن الناحية الدينية، تركّز الجماعة السلفية على تنظيم دورات للتعليم الديني مثل التأمّل في الأحاديث النبوية، وتنظيم رحلات جماعية مساء كل يوم جمعة الى منطقة منقف، على البحر، حيث تعقد دروات دينية إسبوعية مكثّفة. ومع ذلك، فإن تأسيس (الدار السلفية) في مدينة الكويت، أمارة تحوّل جديد في مسيرة الجماعة. فقد شرعت الأخيرة في جمع الزكاه من المواطنين، ومنذاك إنضمّ عدد من الأثرياء مثل خالد السلطان، الرئيس السابق لجميعة الخريجيين الكويتيين، والذي درس في الولايات المتحدة15.. وقد أنتخب رئيساً للهيئة الإدارية التابع للجمعية. وتنفي الجماعة السلفية علاقتها مع (جمعية إحياء التراث) من أجل تجنب أي عواقب سلبية، في حال القاء القبض على قادتها. الهيكل التنظيمي للجماعة السلفيه لا يزال سراً، فضلا عن أسماء الأعضاء القياديين للجماعة.


من جهة ثانية، تنكر الجماعة حق المسيحيين في الإحتفال بعيد ميلاد المسيح (ع)، وكذلك تبادل بطاقات عيد الميلاد. وفي كتاب بعنوان (أحكام معاملة الكفار) نشرته الجماعة، وردت إدانة واضحة لتوظيف عمال من غير المسلمين. كما تتبنى مواقف متطرّفة إزاء الشيعة. وبحسب جاسم العون، وزير الكهرباء والنقل السابق، (الفرق بين الجماعة السلفية والشيعة تتعلق بالأصول وليس الفروع)16.
 
 المصادر:
 
         
2  تبدو الملاحظات التي أثارها العضو القيادي السابق في حزب الدعوة ـ فرع الكويت، عبد المحسن جمال حول أعمال المديريس جديرة بالإهتمام. أنظر مقالة جمال المنشورة في صحيفة (القبس) بتاريخ 19 ديسمبر 2006 على الرابط التالي:
http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperPublic/ArticlePage.aspx?ArticleID=229464
 
3 Bassam Tibi (2001), Islam between Culture and Politics, Palgrave Publishers Ltd, London p.101
4   مقابلة مع الأمير نايف في جريدة (السياسة) الكيويتية في 25 نوفمبر 2004
 
5  مقابلة مع الرئيس المصري حسني مبارك، قناة العربية في 8 إبريل 2006 الرابط التالي:
http://www.alarabiya.net/articles/2006/04/08/22686.html  
6  Sayyid Qutb, (1990), Milestones, Indianapolis, pp.15ff;
وأيضاً ثقافة الدعوة الاسلامية ـ القسم السياسي، صادر عن حزب الدعوة (طهران، 1984) ص ص 150 ـ152، 316 وأيضاً الدين حضارة، نشرة خاصة بالأعضاء، حركة الطلائع الرساليين صدرت في السبعينيات من القرن الماضي (د.ت) ص 11
 
7 John L. Esposito and John O. Voll, (2001), Maker of Contemporary Islam, Oxford, OUPp.39
8  الدكتور عبد الله أبو عزت (1992)، الحركة الإسلامية في البلاد العربية.
 
 
9 عبد الله العقيل (2001)، منين أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة، الكويت
 
 
10منيرة فخرو (1995).
 
11  الدكتور عبد الله أبو عزة، مصدر سابق.
 
 
12مقاطع من الموقع الرسمي لجميعة الإصلاح الإجتماعي www.eslah.com
 
13مقابلة مع الشيخ عبد الله السبت، جريدة (الفرقان) الإسببوعية، العدد 39، يوليو 1993، الكويت
 
 
14 http://www.alturath.org/main/define.htm#2
15  فلاح المديريس، الجماعة السلفية في الكويت: النشأة والتطور 1965 ـ1999، الكويت، 1999، ص 6 ـ7
 
16 فلاح المديريس، المصدر السابق، ص ص 13 ـ 14
 
 

copy_r